الأنوثة المُقدّسة.. الخالق ومظاهره المختلفة في مصر القديمة
النصوص الأسطورية والدينية في مصر القديمة توضّح عقيدة الخلق عند القدماء، الذين تصوروا وجود خالق أعظم يسود الكيان المائي اللانهائي الأزلي، قبل أن تكون السماء، وقبل أن تولد الأرض، وقبل أن تخرج البشرية إلى الوجود، بل وقبل أن تنشأ الآلهة وأن يكتب الموت. ومن الملاحظ أن بعض فئات الكهنة في المراكز الرئيسية مثل هليوبوليس ومنف وهرموبوليس، فسروا نشأة الوجود بمفهوم ومنطق خاص بهم.
ومن ثم اختلفت قصة نشأة الوجود من مكان لآخر، ولكنها تتلاقى جميعًا وترتكز على مفهوم موحد ومشترك ألا وهو وجود كيان مائي لا نهائي ليست له أبعاد محددة، وقال عنه المصريون أنه محيط مائي كثيف ترتع في مياهه كل نطفة وكل بذرة تنتظر لحظة الخلق والوجود.
ووفق كتاب "المرأة الفرعونية" لـ"كريستيان ديروش نوبلكور"، كان "نون، هو الماء الأزلي الذي منه انحدرت جميع الآلهة، فهو رب الأرباب القابع في غياهب الظلمات، وهو الجد الأول لكل كائن حي يأتى إلى الوجود. ومن أعماق هذا المحيط المضطرب الذي يشمل عناصر الوجود، ظهر الواحد الأحد ظهورا تلقائيا من ظلماته الحافلة بالأسرار، وجاء إلى الوجود دون أن تحمله أم أو تلده.
مختلف النظريات الخاصة بالكون تتناول فكرة الخليقة وفق مفهومها للإله، فمنها ما اتسم بقدر كبير من التجريد مثل النظرية المنفية المنسوبة إلى الإله بتاح، ومنها نظرية علمية وضعها كهنة هرمو بوليس، ولكن أشدها إنسانية تلك النظرية التي انبثقت من لاهوت هليوبوليس. ومن هذا نرى أن الإله الواحد الأحد قد اتخذ أسماء متعددة وفقًا لاختلاف الأقاليم، ولكن الملاحظ دائما أنه إله وليس إلهة. غير أننا نرى إلهة كبرى فب منطقة "سايس، هي الربة "نيت" من أرباب الخليقة.
الواقع أن رب الأرباب في مصر القديمة كان يشتمل في ذاته على العناصر الأساسية للذكر والأنثى، كما لو كان ذكرا وأنثى في ذات الوقت. أي أنه كان يُجسّد الأب والأم اللذين كانا معه وهو في " نون" قبل فجر الخليقة.
اهتم المصريون بالتعرف على العنصر الأنثوي داخل نطاق النشاط الرباني، ومن ثم كان لكل مدينة ولكل إقليم منذ بداية العصر التاريخي، معبود له زوجة من الربات تنجب له إبنًا ليكونوا ثالوثًا، فالثالوث فكرة مصرية صميمة.